الجمعة، 10 أبريل 2015

تأملات في العلم الإلهي والإرادة وحرية الإختيار

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تأملات في العلم الإلهي والإرادة وحرية الإختيار

 
"هل الإنسان مُخيّر أم مُسيّر؟"
"كيف يحاسبني الله إن كان كتب علي أفعالي؟"
" هل يرد الدعاء القضاء، وكيف؟"
"لماذا أراد الله الشر؟"

أسئلة عديدة حيّرت عقولنا ونحن صغار، ولا زالت تُحيّر عقول البعض، خاصةّ عند محاولة فك طلاسمها بعيداً عن الهَدي الديني، ولا أعتقد أن العقل البشري القاصر قادر على تفسير هذه الأمور الغيبية إلّا بما أتاحه الله لنا في كتابه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، غاية ما سأحاول عمله في هذا المقال هو ضرب الأمثلة لتقريب الصورة بشكل أعانني شخصياً على إزالة أي شبهة تعارض بين صفة العلم الإلهي وإرادة الله سبحانه وتعالى وإرادة البشر، وكيف يتعالج الدعاء والقضاء.
وأسأل الله عز وجل أن يتقبل هذا الطرح، وأن يهدي به.



الرجاء ملاحظة أن ضرب الأمثال هو منهج قرآني، والتأكيد أنه لتقريب الصورة وليس عين الحقيقة، فلله المثل الأعلى، وليس كمثله شيء.
" وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" .. الحشر:21
" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" ..الشورى:11 
قًمت بدعوة صديق لي "مُتشكك" على العشاء، ودار بيننا حوار حول علم الله الأزلي وكيف يُحاسبنا على ما أراده لنا، وكيف يقول المسلمون "لا يحدث في ملك الله ما لا يريد"، فهل أراد الكفر والظلم والشر؟، ثم أنكم تقولون "لا يزال القضاء والدعاء يعتلجان ما بين الأرض والسماء" الحديث، وأيضاً " إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء" ..الحديث، فهذا يتعارض مع قولكم بعلم الله الأزلي!؟
هذه الأسئلة تبدو متناقضة فيما بينها، فهو يرى في وجه أن الأمور حتمية ولا مجال لتغييرها، وفي وجهٍ آخر يرى أن الدعاء قد يرد القضاء! وهذا يتعارض مع المفهوم الأول!؟

أعطيت صديقي ورقة وقلم، وقلت له أكتب:
سأدعو أبنائي مريم وحمزة الساعة السادسة (بعد ساعة من الآن)، وسأخبرهم أني سأعقد لهما إمتحان لمدة ساعة، ومن ينجح فيه سيحصل على مئة جنيه يفعل بها ما يشاء. مريم ستسألني إن كان بالإمكان أن أساعدها، وسأخبرها أني سأساعد من يطلب المساعدة إن رأيت منه جدّية في العمل. حمزة سيسألني زيادة في الأجر، وسأخبره بأن هناك عطايا أخرى قد ينالها المتفوق، ولكن المئة جنيه هي الأساس.




أكتب أيضاً ما يلي:
مريم ستأخذ ورقة الإمتحان وتجلس بجواري، سيصيبه الملل بعد خمس دقائق وتذهب لشرب المياه، ثم مشاهدة فيلم كارتون، وتعود لحل سؤال، ثم تعاود تضييع الوقت، وسأكرر عليها أكثر من مرة رجائي ونصيحتي بأن تتحمل هذه الدقائق لتحصل على الجائزة، وسأعدها بتقديم أي مساعدة تطلبها إن رأيت منها جدّية في العمل، ولكنها ستبتسم وتعود لما تقوم به من تضييع للوقت، حتى قبل إنتهاء المهلة بربع ساعة، ستأتي لي باكية تطلب مني مساعدتها في حل الإمتحان، وسيدور بين وبينها حوار عن سبب إضاعتها للوقت، ستتأسف لي وترجوني أن أسامحها مع وعد بأنها لن تُكرر هذا الفعل، وتقوم بتقبيلي وهي تبكي، سأقول لها بعد فترة وجيزة: حسناً، ما السؤال الصعب، وسأقوم بمنحها تلميحات للمساعدة، ستطلب مني قبل إنتهاء الوقت بخمس دقائق مهلة عشرة دقائق فقط، وسأمنحها ما تريد. وبمنتهى الجدّية ستتدارك بعضاً مما فاتها وتقوم بحل معظم الأسئلة.




أكتب ما يلي فيما يتعلق بحمزة:
سيقوم بأخذ الورقة لركن بعيد في الغرفة، وينكب على الورقة محاولاً الإجابة، وبعد نصف ساعة سيطلب مني ببراءة النظر للورقة طامعاً في إشارة ما إذا كان على الطريق الصحيح أم لا؟، سأُلمّح له بالنقط التي تحتاج لمراجعة، وسيذهب لإستكمال العمل، وفي هذا الوقت سأقول له كلمات تشجيعية، وأُحضر له بعض الشراب، وسيعود عند إنتهاء الوقت وقد فرغ من الإمتحان،
حمزة سيحصل على درجة أعلى من مريم، ولكن كلاهما سينجح، وكلاهما سيحصل على الجائزة، وزيادة، حمزة سيشتري طعاماً بالمبلغ، ومريم ستشتري لعبة. حمزة سيطلب مني زيادة على المبلغ لعبة، ومريم ستطلب نقوداً لتشتري بها ما تشاء.

ثم قلت لصديقي: كتبت كل ما أمليته لك؟، سأقوم الآن بتنفيذ الجزء الخاص بي!
ودعوت أبنائي، وحدث ما كتبه صديقي بالحرف!

الآن تعالوا نرى ما حدث من زاوية أخرى:
ـ1) هل علمي السابق بما سيفعله كل منهما، أثّر في فعله؟
ـ2) هل يُمكن أن يدّعي أيٌ منهما أنه تم إجباره على فعل ما قام به؟
ـ3) هل يُمكن القول أنهم فعلوا ما فعلوه ضد إرادتي؟ أم ضد رغبتي؟
ـ4) هل كان بإمكاني أن أمنع أياً منهما من تنفيذ إرادته؟ (كأن أحبس مريم في الغرفة، أو أفتعل ضوضاء بجانب حمزة على سبيل المثال؟)
ـ5) مريم تظن أن دعاءها لي بأن أمنحها وقتاً إضافياً هو السبب الوحيد ولولاه لما استجبت، فهل هذا فعلاً ما حدث؟

دعكم من صديقي الذي كتب ما أمليته عليه، لو أن طرفاً غيرنا يراقب ما يحدث، لقال أني تدخلت لمساعدة حمزة حين طلب مني، بينما حاولت مع مريم عدة مرات وهي لم تستجب، فهل هذا عدل؟
سيرى أنّ إلحاح مريم في الطلب بأن أسامحها وأمنحها وقتاً إضافياً ومساعدتي، هو الذي جعلني أُغيّر القانون الذي وضعته لهذا الإمتحان، وأن هذا الفعل من مريم قد غيّر مسار الأمور، ولولاه لما حدث مني هذا.

ما رأيكم أن نحلل الأمور أكثر؟
العلم الإلهي صفة إنكشاف، ليس لها تأثير على مُجريات الأحداث.
علمي السابق بما سيحدث لم يتدخل في مسار الأمور.
هذا العلم مكتوب في اللوح المحفوظ، بتفاصيله، من قبل أن نُخلق، كما أن ما حدث مكتوب في ورقة قبل الإمتحان بساعة.
اللُطف والمدد الإلهي يحدث مع المجتهد جزاءً لصنيعه، وتوفيقاً له، ومع العاصي حُباً له وشفقةً عليه.
صحيح أن حمزة إستجاب لأمري، ومريم لم تستجب، لكن لا يُمكن القول أنّ مريم فعلت هذا غصباً عني أوضد إرادتي!
يقول أهل العلم أن لله سبحانه وتعالى إرادة كونية وإرادة شرعية، فهو أراد من كل البشر الطاعة وإتباع دين الحق، فهذه إرادة شرعية، وهي "إختيارية"، من شاء من البشر أن يُنفذها ومن شاء رفض، وبها تتجلى حرية البشر.
"وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ"
الكهف:29
ولكن سواء إختار العبد تنفيذ هذا الأمر الشرعي أم لا، فهو يقع تحت مظلة الإرادة الكونية، فلا يحدث في مُلك الله ما لا يريد، وهنا المقصود الإرادة الكونية، فلا يستقيم عقلاً أن يقوم أحدٌ من مخلوقات الله بفعل شيء ضد إرادة الله (بمعنى الإرادة الكونية) ولكنه قد يفعل ما هو ضد أمر الله (بمعنى الإرادة الشرعية).

بالعودة للمثال السابق؛ كان بإمكاني أن أمنع مريم من مشاهدة الكارتون، وكان بإمكاني أن أمنعها من مغادرة الغرفة أصلاً، بل ومساعدتها في حل الإمتحان بشكل سافر، وفي المقابل كان بإمكاني التشويش على حمزة وإثارة ضوضاء حوله تمنعه من الإجابة كما ينبغي، ولكني لم أفعل! فمريم خالفت أمري ورغبتي، ولكنها فعلت ما فعلته تحت إرادتي، أنا سمحت لها أن تفعل هذا –وكان بإمكاني منعه-، ولكني أعطيت لها حرية الإختيار في تنفيذ أو رفض أمري (=الإرادة الشرعية)، ومهما كان إختيارها –الذي أعرفه مُسبقا (=العلم الإلهي المحيط) مع ملاحظة أن عِلمي هو صفة إنكشاف وليس صفة تأثير، المهم مهما كان إختيارها فهو يقع تحت إرادتي وليس خارجها أو فوقها أو قهراً لإرادتي (=الإرادة الكونية). وبهذا نفهم القول "لا يحدث في مُلك الله ما لا يريد"، ونفهم أيضاً كيف يتدخل اللطف الإلهي في هداية من يُجاهد نفسه ويسعى لتحقيق إرادة الله الشرعية.
فائدة: آيات عديدة في القرآن الكريم، والأحاديث القُدسية تتحدث عن مدد إلهي لعباده المؤمنين والمُجتهدين، والمُشترك فيها أن على العبد أن يُقدم عمله أولاً.
"وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" العنكبوت:69
"وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" الحج: 40
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" محمد: 7
وفي الحديث القدسي:
"إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" صحيح البخاري، باب التوحيد (50-7630)
فالمدد الإلهي يأتي بعد أن يأخذ العبد بالأسباب، وهو ما معلوم أزلاً عند الله!



كيف يمنع الدعاء القضاء؟
الدعاء يمنع القضاء من منظورنا البشري! لكن الدعاء والإستجابة له مكتوبة أزلاً. هذه النقطة تحتاج لمزيد إيضاح؛ مريم في المثال السابق تتصور أن طلبها مني وتقرّبها بالقبلات والبكاء هو الذي جعلني "أُغيّر" قانون الإمتحان وأمنحها وقتاً أضافياً، وهذا أيضاً ما يتصوّره أي مُراقب بخلاف صديقي الذي كتب. لكن هذا لم يكن حقيقة ما دار كما تعرفون!

إشكالية فهم تصارع الدعاء والقضاء تأتي من نظرتنا "المحدودة" بالزمان والمكان، فنحن عندنا ماضي وحاضر و مستقبل.
وقت الدعاء: مريم عندها ماضي كانت مستهترة فيه وأوشكت على الضياع،
وحاضر شعرت فيه بتقصيرها وطلبت مني وتذللت أن أُسامحها وأمنحها زيادة عن غيرها وحدث "صراع ما" بين طلبها وقضائي الذي لم تعرفه بعد ولكنها تتصوره بالرفض وتطمع بأن أُغيّره إستجابةً لها،
ومُستقبل رأت فيه أني إستجبت لها، لكنها في كل الأحوال ترى أفعالي معها من خلال منظورها هي!

أرجو أن تكون هذه النقطة واضحة لأنها في غاية الأهمية والخطورة!

الله – سبحانه وتعالى – لا يخضع للزمان، فهو خارج الزمان (الزمان خُلق مع نشأة الكون، فهو مخلوق، وسيموت يوم الحساب ولهذا كان الخلود!)..فتصوّر أنّ الله قد غيّر المكتوب في اللوح المحفوظ أزلاً بعد دعواتنا، يعني أنه لم يكن يعلم أننا سندعوه، يعني أنّ علمه كان قاصراً – حاشا لله، أو أنّه كان مُعلّقاً حتى يرى إن كُنّا سندعوه أو لا!
أفهم أنّه مُعلّق من منظورنا كبشر (كما تراه مريم – وأي طرف غيرها – في المثال السابق)، لكن الأمور عند الله تعالى ليست مُعلّقة، لأنه ليس هناك مستقبل عند الله، ليس هناك "غيب" على الله، فكل ما كان وما هو كائن وما سوف يكون، في علم الله من قبل أن يبرأها، ويبرأ يعني يُظهر الشيء، وهذا إشارة لقولنا "أشياء يُبديها ولا يَبتديها".
فمشيئة الله –سبحانه وتعالى- أرادت لأفعال الخلائق أن تحدث، حتى لو خالفت إرادته الشرعية، وإلا لما كان هناك إبتلاء وإختبار! فلو منع الله أفعال الشر والمعصية، لما كان هناك معنى ليوم الحساب والجنة والنار؟!
ولو حاسبنا الله على علمه فقط، دون إتاحة الفرصة لنا لبدا هذا ظُلماً منه لعباده.

لو – فرضاً – قلت لحمزة ومريم قبل الإمتحان أني كتبت في هذه الورقة ما ستقومون به، وها هي أمامكما، ستقرأوها بعد إنتهاء الإمتحان. هل يجرؤ أحد على القول بأن المكتوب في الورقة قد أجبرهما على القيام بما قاما به؟
وهل سيمنع هذا مريم من الدعاء مُتذرّعة بأني لو أردت لساعدتها ولو لم أُرد لما ساعدتها؟

فائدة: هل يجوز أن ندعو قائلين "ربي لا أسألك رد القضاء، إنما أسألك اللطف فيه
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :   "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لَا مُكْرِهَ لَهُ"  . رواه مسلم  .



المثال السابق يحتمل الإضافة لحالات عديدة تشرح معضلات فلسفية، مثل:
لو أن أحداً من أبنائي رفض أن يكتب حرفاً في الورقة، رغم إشاراتي المتكررة له بخطورة الأمر، وعرضي مساعدته إن أبدى أي جدّية في العمل، هل يستحق في النهاية أي جزاء؟

أو أن أحدهم قد أخذ ورقة الإمتحان، وتركها ووضع لنفسه أسئلة ثم أجاب عنها، وجاء في النهاية يطلب الجائزة، فهل يستحقها؟ (هؤلاء الذين يقولون بأن الله "رب قلوب" ولا يهم الشعائر والطقوس، ولا حتى المعتقد الديني، طالما أني إنسان صالح أنفع الناس، فسأدخل الجنة!)

مثال آخر: جاء أحد أبنائي وقال إن أحد الجيران أعطاه ورقة إمتحان وقد قام بحلّها ويريد مني الجائزة، فهل يستحقها؟ أليس من المنطقي أن أقول له: غذهب لمن أعطاك الورقة وأطلب منه الثواب!

نقطة هامة: الكل من أبنائي، سواء من إستمع لأمري، ومن تململ ثم عاد، ومن أبى واستكبر، كلهم تحت ولايتي ورعايتي، لهم الطعام والشراب والرعاية والحماية، وهذا لأني "رب الأسرة" وهو ما يُعرف في علاقة الله مع عباده بـ "عطاء الربوبية" ويشترك فيه جميع خلقه.
أمّا "عطاء الألوهية" فهو لعباده المؤمنين، وهو ما ينال الإبن المجتهد في المثال السابق من مدد إضافي وجائزة أعلى ورعاية أشمل.

  "مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً * كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً   "الإسراء: 18-20
 تأمل قوله تعالى" وسعى لها سعيها ((وهو مؤمن))".. ليس بالعمل وحده، الإيمان واجب!

تبقى نقطة أخيرة، وهي مُعضلة الشر والألم، ومعضلة الجحيم!
لماذا أراد الله الشر؟ هل لم يقدر على منعه، أم أنه إله شرير – حاشا لله؟
كيف يُعذب الإنسان على فعل لسنوات قليلة، بالخلود في جهنم؟

مهلاً!!
وماذا عن من رفض الإمتحان؟ إن كانت لي إرادة حقاً، فأنا لم أرد الخضوع لهذا الإمتحان!!
وهذا موضوعٌ آخر :)      

د.أحمد جلال 

(الإنسان مُخيّر فيما يعلم، ومُسيّر فيما لا يعلم، وسيُحاسب على ما كان مُخيّراُ فيه، ولن يُحاسب على ما كام مُسيّرا عليه)








المراجع:


معنى: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=160063 

مراتب العلم الإلهي والأدلة عليه 
http://www.alukah.net/sharia/0/65066/

  أسباب النصر الحقيقية وصفات من ينصرهم الله 
http://www.islammemo.cc/2004/10/05/962.html

الإرادة الشرعية والكونية - الشيخ المحدث عبدالعزيز الطريفي 
https://www.youtube.com/watch?v=umL8Mxi_zy8

  هل الدعاء يرد القضاء - الشيخ الفوزان 
https://www.youtube.com/watch?v=xlTdnl0gTUM

  الدكتور عمرو الوردانى : هل الدعاء يغير القضاء والقدر  
https://www.youtube.com/watch?v=JtW5EqziOc8

الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?2407-%C7%E1%DD%D1%DE-%C8%ED%E4-%C7%E1%C5%D1%C7%CF%C9-%C7%E1%DF%E6%E4%ED%C9-%E6%C7%E1%C5%D1%C7%CF%C9-%C7%E1%D4%D1%DA%ED%C9

مدى مشروعية دعاء: اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه 
http://ar.islamway.net/fatwa/37563

عطاء الربوبية وعطاء الألوهية  
https://www.facebook.com/permalink.php?id=217194671724093&story_fbid=377751245668434

 

جولة سريعة في عقل الملحد

بســـم الله الرحمــــن الرحيــــم



محاولة لفهم الخلل في  منهج الإلحاد

 سنحاول في هذه الجولة السريعة إكتشاف منهج تفكير الملحدين، وكيف يستدل على عدم وجود الإله، وحتى إن افترض وجوده فهو ليس إله بلا مُوجد

تتميز طريقة تفكير الملحدين بخلط بين ثلاثة مفاهيم، السببية والغائية والكيفية، فهي وإن بدا بينها ترابط، إلا أن الملحد يراها كمفهوم واحد!ـ
عندما يتمكن العلم من معرفة "الكيفية" التي يعمل بها الكون، فالملحد يفترض أنه أجاب عن سؤال "السببية" بـ(لا)ولم يعد يحتاج للإجابة على سؤال "الغائية"؟

مثال للتبسيط:ـ
إذا اكتشفنا "كيفية" عمل جهاز الكمبيوتر، فهل هذا يعني أنه جاء للوجود دون صانع؟
نحن لم نر المهندس الذي صمم الجهاز، ولا خطوات صناعته من المواد الأولية، لكننا تمكنا بعقولنا من سبر أغوار الجهاز ومعرفة مكوناته، وطريقة تفاعلها مع بعض والروابط البينية، بل وتخيّلنا خطوات صناعته،، وقد نتمكن من "محاكاة" الجهاز وصناعة نسخة منه!ـ



أين المشكلة؟:ـ
هناك عدة أسئلة "مشوشة" في عقل الملحد، وهي:
ــ(1) الجهاز لا يحتاج لصانع لأننا تعرفنا على خطوات صناعته ومكوناته موجودة، والطريقة معروفةـ
ـ(2) إذا استطعنا تقليد الجهاز، فنحن أيضاً خلقنا، بافتراض أن الجهاز مخلوق!ـ
ــ(3) الغاية من الجهاز لا تهمنا! هو يستطيع عمل العديد من الأشياء وقد تكون إستخدامته لاحقة على صناعته!ـ

نعود بالزمن للوارء قليلاً،، قبل ظهور هذه الآلة (الكمبيوتر) للوجود كان "صورة" في ذهن المهندس، تخيّل شكله ومكوناته، وقد يرسمه على ورق، يضع عليه أرقام ورموز، وهو ما يُعرف بالـ 
Blueprint
هذه الصورة ليست هي الجهاز، أضف إلى ذلك أن هناك "غاية" وسبب وهدف من صنع هذا الجهاز، قبل صناعته!
ولتحقيق هذا الهدف/الأهداف، صمّمه المهندس بشكل مُعين يُناسب الغاية التي سيُصنع لأجلها

نحن الآن في مرحلة ما قبل ظهور الجهاز للوجود، وعندنا صورتان له، أو كما تقول الفلسفة "علّتان" من العلل الأربعة للشيء، العلّة الغائية (لماذا) والعلّة (الصورية) وهي شكل الصنّعة في عقل الصانع

يقوم المهندس فيما بعد، أو من ينوب عنه بتنفيذ المرسوم في المخطط بدقة، بدايةً من إختيار المكونات، وترابطها بتريتب معيّن للوصول إلى المنتج النهائي.
المواد المستخدمة تُمثل العلّة المادية،
والصانع الذي يقوم بالتنفيد يُسمى العلّة الفاعلية.
المُخطط الذي يقوم الصانع بتنفيذه يُعرف في عالم الصناعة بـ "سر الصنعة" أو المُكوِّن المعرفي أو
Know how
وهو أهم مرحلة في أي صناعة وتحميها الشركات الكبرى بكل ما تملك (سر صناعة المشروبات الغازية، الخلطة السريّة لبعض المأكولات الشهيرة)، في أحيان كثيرة لا يكون الصانع الفاعل هو نفسه المهندس، ولهذا وُجد المخطط!ـ

نوجز ما تقدم:ـ
هناك علل أربعة لأي شي موجود:
ــ1) علّة غائية: السبب من وجوده
ـ2) علّة صورية: صورته في ذهن الصانع قبل وجوده
ـ3) علّة مادية: مكوناته
ـ4) علّة فاعلية: كيفية صناعته وإيجاده ونقله من عالم الخيال إلى عالم الواقع

ملاحظ هامة:
العلّة الغائية تأتي في الترتيب الأول بالنسبة للصانع -منطقياً- فهو لن يصنع آلة مُعقّدة بمكونات عديدة ثّم يرى فيما يمكن إستخدامها!، 
لكنها تأتي في الترتيب الأخير بالنسبة للمستخدم!
فهو يرى ويكتشف إستخدامات الجهاز بعد أن يظهر للوجود


ملاحظة أخرى أهم!:
العلّة المادية هي الوحيدة التي تخضع للأدلة الحسيّة "المادية"، نراها ونلمسها ونعرف خصائصها الكيمائية والفيزيائية.
العلّة الفاعلية، يُمكن الإستدلال عليها مادياً في بعض أجزائها، وعقلياً في أجزاء أخرى، نتصوّر عقلاً خطوات الصناعة وإن لم نراها.
العلّة الصورية: يستحيل الإحاطة بها ولا دليل قطعي عليها بتفاصيلها إلّا ما يرويه المصمم!
العلّة الغائية: قد نُدرك بعض جوانبها بالأدلة العقلية، لكن معرفة (كل) أهداف وغايات الصنّعة لن نتوصل إليها إلّا عن طريق الصانع!

واضح إلى الآن؟
أتمنى ذلك:)ـ


كيف يفكر الملحد؟
الملحد عندما تمكن من معرفة الكيفية التي تم صناعة الآلة بها، بدايةّ من المخطط "الشفرة الوراثية على سبيل المثال" ومروراً بمراحل الصناعة "التطور أو خلق الجنين على سبيل المثال" ونهاية بظهور الكائن الحي =الإنسان، بقدراته،، تصوّر أنه لم يعد بحاجة للصانع!ـ
أو لم يعد هناك حاجة لإفتراض وجود صانع!ـ
وللهروب من سؤال "الغائية"، إفترض الصدفة كإجابة ولهذا ليست هناك غاية أو هدف من ظهور الحياة بهذا الشكل!ـ

لماذا؟
لأن إفتراض الغائية ومحاولة الإجابة عن "لماذا؟" تقتضي إفتراض وجود ذات "قبل" الحياة/الكون، وهو ما سيجعله يعترف بوجود ذات خارج الزمان والمكان، لها غاية من وراء الخلق، وصورة لما سيكون عليه الخلق، وفاعلية أوجدت هذا الخلق على النحو الذي أرادته، وللسبب الذي ستخلقه عليه،
وهذا تم من مواد ومكونات، بكيفية لم يحجبها الصانع

سؤال:ـ
ماذا لو تمكن الإنسان من "تقليد" الصنعة؟
التقليد لا يعني الخلق من عدم!ـ
سر الصنعة هو المحك والتحدي!ـ
مكونات محرك أفخم سيارة في العالم قد لا تساوي بضعة مئات من الدولارات لو تم بيعها قطعاً متناثرة كلٌ على حده.
ثمن المحرك في التعقيد الذي تترابط به هذه المكونات لتحقيق الوظيفة المطلوبة منها، وهذا هو سر الصنعة، وليس نوعية المكونات!ـ

وعليه، فالمواد التي تتكون منها الكائنات الحية متوفرة، والرسم الهندسي الذي يبيّن آلية عمل هذه المكونات أصبح معروفاً لدى العلماء "الشفرةالوراثية"، إذا فتقليد الصنعة لم يعد مُستحيلاً! ـ


تجربة العالم "كريج فنتر" في 2010 فيما عُرف بخلق خلية حية في المعمل، كان أقرب لإعادة برمجة برنامج تشغيل ووضعه على قرص مضغوط وتحميله على جهاز كمبيوتر بعد إزالة برنامج التشغيل القديم!، كريج فنتر لم يخلق حياة من لا شيء، أو حتى لم يخلق حياة من مكونات مختلفة عن أي خلية حية، هو لم يقترب حتى من خلق حياة، بل قام بتقليد الشفرة الوراثية للبكتريا في المعمل، مع إضافة برنامج معين مكتوب بنفس اللغة التي تكتب به الشفرات الوراثية، وزرع هذا المنتج النهائي في خلية بعد إزالة الجينوم الأصلي منها، فلا هو خلق الخلية، ولا هو خلق جينوم من مكونات مُغايرة، ولا حتى خلق لغة للكتابة غير الموجودة داخل الجينوم!ـ

حتى لو تمكن العلم في يومٍ ما من خلق حياة في المعمل، فالتحدي الذي يواجهه هو خلق حياة من عدم!، أو على أقل تقدير، خلق حياة بمكونات وآلية ومخطط يختلف تماماً عن المكونات والآلية والرسم الهندسي الذي يُنظم عملية الخلق والصيانة



سؤال هام: ما الفرق بين أسماء الله الحسنى: الخالق والبارئ والمُصوّر؟
الخالق: المُقدِّر، فخلق الشيء يعني تقدير وجوده ويعني أيضاً المُقلِّب للشيء!
كما ورد في قوله تعالى
"يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ"
الزُّمَرِ: 6
فالخلق قد يعني الخلق من  عدم، أو التقليب من طور إلى طور آخر، والمعنى الأخير يقوم به الإنسان، لكن المعنى الأول هو مما اختص الله به ذاته.

البارئ:المُنشئ من عدم إلى الوجود، أو المُنفِّذ، وهي صفة "إظهار" ما قدّره الله

المُصوِّر: تنفيذ ما قدّره الله على الصورة التي يريدها

الإعجاز في الإيجاد من عدم، وهذا يستحيل على كل الخلق.
والإعجاز في كتابة "سر الصنعة" وليس في مكونات وكيفية الصناعة


الله سبحانه وتعالى لم يحجب سر الصنعة، بالعكس فنحن مأمورون بالبحث عن سر الصنعة (= كيف)
"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ"
العنكبوت: 20
أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ 
وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ 
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ 
وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ
الغاشية: 17-20 
 الآيات اللاحقة تُبين دورنا ولمن الخطاب، وجزاء المكابر!ـ


هذا أبلغ في الإعجاز والتحدي!
فالخالق لم يحتفظ بسر الصنعة ، بالعكس فالمكونات متوافرة أمامنا والرسم الهندسي مكننا الله من قراءته!

إذاً أين المعجزة؟
المعجزة هي ما الذي يجعل ترتيب الأحماض الأمينية على هذا النحو يمتلك من القدرة على تشفير ملايين المعلومات والأعجب تحويل هذه المعلومات إلى كائن حي!

مثال للتوضيح:ـ
تخيّل رواية طويلة جداً مكتوبة فقط من لغة مكوّنة من أربعة حروف!
ليس هذا فحسب،
الرواية تحوي ملايين الصفحات ومحفوظة على شريط بحجم رأس الدبوس!
ليس هذا فحسب!!
الرواية تصف الشخصيات الرئيسية على نحو دقيق للغاية، وصف للشكل الخارجي وطريقة الحركة والكلام، ووصف للطباع وما يختلج في النفوس.
وليس هذا فحسب!
هذه الرواية لديها القدرة على تحويل هذه المعلومات إلى كائنات حية
Morphogenesis
بنفس الأوصاف المكتوبة بالتفصيل وبِلُغَةٍ من أربعة حروف، على مساحة أقل من رأس الدبوس!

حالياً يعكف العلماء على إستخدام الشريط الوراثي ـDNAـ كقرص صلب لتخزين المعلومات، ويمكن لجرام واحد منه حفظ ما يقرب من 700 تيرابيت من المعلومات (1 تيرا = 1000 جيجابيت، مساحة الدي في دي = 4.7 جيجابيت)
700 تيرابيت، تعني تخزين كل الإنتاج البشري المكتوب منذ إختراع الكتابة!
جرام واحد في ظروف تخزين سهلة (محيط بارد جاف ومظلم) يمكنه الإحتفاظ بالمعلومات لملايين السنين، وبقدرة إسترجاع 99-100% (ما صنعته عقول البشر من وسائط التخزين لا يعيش لعشرات السنين)ـ
رجاءً: لا تقول أن هذا جاء بالصدفة!!



نحن الآن نعرف "الكيفية" التي تحدث بها هذه المراحل،ولكن لم ولن نستطيع كتابة شفرة بلغة أخرى ومكونات أخرى وبآلية عمل مغايرة!

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"
الحج: 73


الآن: أين الخلل في عقل الملحد؟
معرفة الكيفية عنده تساوي الإستغناء عن السببية!ـ
والإستغناء عن السببية يعني لا معنى للسؤال عن الغائية!ـ
فهو أجاب على السؤال بمن ولماذا، من خلال إجابته على السؤال بكيف!ـ

من خلق الكون والحياة؟ولماذا كان الخلق.
يكون جواب الملحد: لقد عرف العلم كيف حدث الخلق!ـ


هذه ليست الإجابة!ـ


نعود إلى مثال جهاز الكمبيوتر:ـ
قد تتمكن من تفكيك الجهاز، ومعرفة مكوناته وتحاول إعادة تركيبه، ولكن يستحيل عليك معرفة "ذات" الصانع من خلال النظر للجهاز ومكوناته وطريقة عمله!ـ
قد تعرف بعضاً من صفاته، وقدراته، لكن يستحيل عليك معرفة ذاته

قد تتمكن أيضاً من معرفة (بعض) إستخدامات الجهاز دون الحاجة لدليل الإستخدام، لكن يستحيل عليك أيضاً معرفة (كل) إستخدامات الجهاز دون مساعدة من الصانع أو الشركة أو أحد آخر

من السذاجة أن يتصور أحد أن "أسرار الويندوز أو أسرار الأيباد/ الأيفون" لا يعرفها الصانع، أو لم يُرد لها أن تكون على النحو الذي هي عليه!ـ



ما زلنا في المثال السابق (عندما تُفكر أجهزة الكمبيوتر!!):ـ
معظمنا يعرف أن لغة الحواسب الآلية هي الثنائية (صفر/واحد) ،
نتخيّل الآن أن هذه الحواسب لها عقل وإدراك، تعالوا نتأمل هذا الحوار بينهم:ـ

كيف يستطيع المهندس الذي صمّمنا العمل، هل هو يُشحن بالكهرباء أم عنده بطارية شحن عملاقة؟؟

من الذي قام بتوصيل أجزاء المهندس ببعضها البعض، نحن لا نرى أي براغي أو مفاصل؟؟

سمعنا المهندس يقول إنه "يُحب" هذه الأغنية، و"يكره" الأخرى، فماذا يعني هذا؟

المهندس يتحدث بلغة، لكنها ليست اللغة التي نتكلم بها؟!؟

الحواسب لا تعرف معنى الحب والكراهية والإستمتاع والملل، لا تعرف حتى أن عقولنا تحسب 1+1 بشكل يختلف عن الطريقة التي تحسب بها نفس المعادلة!ـ

من السذاجة أن تتخيل الحواسب أننا مرتبطون حيوياً بالكهرباء أو بطاريات شحن!ـ
كما أنه من السذاجة أن يتصور الإنسان أن الخالق لابد أن يكون على صورته من العجز والقصور!ـ




قياس التمثيل هو أحد المعضلات المنطقية التي أوردت الملحدين هذا المهلك!ـ

ما هو قياس التمثيل؟:ـ
هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما 
أو
انتقال الذهن من حكم معين إلى حكم معين، لاشتراكهما في ذلك المعنى المشترك الكلي.

مثال للتوضيح:ـ
نحن لنا ذات موجودة، ونسمع ونرى ونتكلم، ولنا مُوجد..
الله له ذات، ويسمع ويرى، إذاً له مُوجد!ـ

بمعنى آخر:ـ
بما أن لكل سبب مُسبب، ولكل موجود مُوجِد، فالله لابد له من مُسبب، لأنه "يشترك" معنا في أن له ذات موجودة!

أين الخلل في هذا الإستنتاج؟
الله ليس كمثله شيء!ـ
مهندس الكمبيوتر ليس كأجهزة الكمبيوتر!ـ

مهما حاولنا أن نشرح لأجهزة الكمبيوتر أن هناك ذوات لا تحتاج لشحن كهربائي، وأنها لا تتركب من براغي وحديد ومعادن، وأنها تتكلم بلغة غير (صفر/واحد) بل وأيضاً عندها ملكات الشعور، الذي لا تعرف الحواسيب عنه شيئاً ، فيستحيل أن تفهمنا الحواسيب!
لأن إدراكاتها قاصرة..

مثال صارخ في حياتنا اليومية يرد على منهج الملحد:
لو دخلت الغرفة وجدت زوجتك وإبنك الرضيع نائمان على الأرض، ثم خرجت وعدت بعد فترة، ووجدت زوجتك تُشاهد التلفاز في الصالة، وإبنك الرضيع على السرير،
أي السؤالين منطقي:ـ
من الذي نقل زوجتي من الغرفة للصالة؟
من الذي رفع الرضيع من الأرض للسرير؟

عقل الملحد سيفترض أن زوجتك لابد لها ممن ينقلها من الغرفة للصالة، بما أن الرضيع يحتاج لأحد كي يرفعه من الأرض للسرير!ـ

مشكلة الملحد في خلل المنهج الذي يُفكر به، خلط في المفاهيم، وسوء إستخدام للمنطق (يعكس جهلاً أو تعمداً)ـ
لماذا الهروب من فكرة "وجود إله"؟
هل هو الهروب من تبعات هذه الفكرة؟ التكاليف والحساب؟

الملحدون لا "ينكرون" وجود الله، بل "يكرهون" وجوده!
لأنه يُنازعهم سُلطانهم على أنفسهم!!    

غاية ما نستطيع عمله، هو إعادة ترتيب للأدلة العقلية ووضعها في مكانها الصحيح، ثم ترك الملحد ليفكر في ضوء المنهج العقلي المنطقي، كما وضعه العلماء!ـ

"فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ"
الطور: 29

"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ"
الطور: 35

تأمّل: الله سبحانه وتعالى لم يضع الجواب الصحيح من ضمن الخيارات!،
فالإحتمالات العقلية للخلق، إما أنه من دون مُسبب، أو بمُسبب
وهذا السبب إما أننا خلقنا أنفسنا!
أو أن الله خلقنا..
الإحتمال الأخير الصحيح لم يرد في الآية، بل تركه الله للعقل المتدبر يهتدي إليه!

سؤال: هل يُمكن للعقل أن يُعاند في المنطق؟
القرآن يجيب:
"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"
الجاثية:23

ويقول أيضاً:
"أَرَأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأنت تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً"
الفرقان: 43 


ختاماً:
الله سبحانه وتعالى (خارج) الزمان والمكان، لأنه خلقهما فهو لا يخضع لهما!
الأمثلة السابقة هي للتوضيح فقط، فالله -عز وجل- لم يطرأ عليه طاريء، فهو لم يتصور الخلق بعد أن لم يكن يتصوره، ثم قرر أن يخلقه!ـ  
ليس عند الله ماضي وحاضر ومستقبل، هذه التعريفات متعلقة بالزمن المخلوق، والله لا يخضع للزمن..

قبل أن يغترّ أحدنا بعقله، فعقول البشر "يستحيل" عليها تصوّر وجود "أزلي" بلا بداية!
نعم نستطيع تصوّر وجود أبدي بلا نهاية، ولكن الأزلي لا!ـ

عقولنا قاصرة على تصور بعض المفاهيم،  فكيف بإدراك ذات الله ؟؟

إذا كنّا مأمورين من الخالق -عز وجل- بالتفكر في خلقه، فنحن أيضاً مأمورون بالتوقف عن التفكير في ذاته!ـ
"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"
الشورى: 11

وورد في الحديث الشريف:عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله"
الطبراني


""لا يستطيع المحدود إدراك شئ غير محدود""

سؤال: كيف يُحاسبنا الله وهو يعلم ما سنفعله قبل أن نفعله؟
هذا موضوع آخر، يطول شرحه ..:)ـ


سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الصافات: 180-182


د. أحمد جلال






المراجع:


السببية والأسباب أو العلل الأربعة عند أرسطو
http://www.worldcelebrities.net/vb/t138140.html


علل أربع
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%84_%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9


May 20, 2010, Craig Venter announced the creation of first self-replicating semi-synthetic bacterial cell
http://www.ted.com/talks/craig_venter_unveils_synthetic_life?language=en


Did Craig Venter create life? Not really, say experts
http://timesofindia.indiatimes.com/home/science/Did-Venter-create-life-Not-really-say-experts/articleshow/5966474.cms

DNA DATA Using Your DNA as a Storage Hard Drive
https://www.youtube.com/watch?v=vJfcR6SQYmo


الفرق بين الخالق-البارئ-المصوّر
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=78120


DNA: The Ultimate Hard Drive
http://news.sciencemag.org/math/2012/08/dna-ultimate-hard-drive


Harvard cracks DNA storage, crams 700 terabytes of data into a single gram
http://www.extremetech.com/extreme/134672-harvard-cracks-dna-storage-crams-700-terabytes-of-data-into-a-single-gram


قياس التمثيل
http://ar.islamway.net/fatwa/15702


حكم القياس بين صفات الخالق والمخلوق
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=253324


هل يجوزللمسلم أن يتخيل شكل الله عز وجل؟
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=39560


هل يجوز التفكر في ذات الله؟
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?23308-%E5%E1-%ED%CC%E6%D2-%C7%E1%CA%DD%DF%D1-%DD%ED-%D0%C7%CA-%C7%E1%E1%E5%BF

السبت، 12 يناير 2013

أسئلة حائرة حول الليبرالية المصرية؟!؟!


 أسئلة حائرة حول الليبرالية المصرية


الليبرالية تكاد تكون الأيديولوجية الوحيدة التي ليس لها منهج واضح ومحدد!ـ
فهي كفكرة تقوم على تقديس حرية الفرد، وتعتبر الفرد هو أقدس شئ في الوجود، وهو محور الحياة،، وبالتالي الليبرالية لا تجبر الفرد على فهم معين لليبرالية!! وكل فرد له مطلق الحرية في فهم الليبرالية كما يشاء!!ـ
ولو كان هناك "مرجع" لليبرالية -سواء شخص أو كتاب- لسقطت الليبرالية كفكرة!ـ
هل تعلم أن الفيلسوف الإنجليزي جون لوك وهو أشهر من كتب في الليبرالية لا يعترف بحق الملحدين في الحياة في الدولة الليبرالية!ـ
..
القول بالإسلام الليبرالي، هو قول يفترض أن الإسلام "كتشريع" يحتاج لأيديولوجية أو فهم "بشري" يضيف عليه ويحسنه!ـ
فكما هناك من يقول بالإسلام الليبرالي، فهناك من ينادي باليسار الإسلامي!ـ
الإسلام "كتشريع" هو وضع إلهي وفقط!ـ
ولا يتصور عقلاً أن الله سبحانه وتعالى وضع تشريعاً لخلقه، فإحتاج هذا التشريع لإضافة من الخلق لجعله أكثر ملائمة؟ـ!!ـ

بعض المسلمين الليبراليين ينادون بتحريم التعدد وجواز إمامة المرأة في الصلاة للرجال،،، فعن أي "مرجعية" نتحدث؟؟
إذا كان لكل إنسان مسلم الحرية في فهم الدين كما يشاء والوصول بعقله لإستنتاجات، ثم (يعتقد) أن فهمه هذا هو الدين،، فهل لنا أن نتخيّل عدد الملل والنحل الي ستنتج عن هذه الفوضى؟؟

الله سبحانه وتعالى ، إذا كنا نعتقد إبتداءاً أنه الخالق ونحن عبيد له، وأنه ما كان ليتركنا في هذه الحياة دون توجيه وإرشاد، وأنه كخالق وإله فهو يتصف بصفات الكمال المطلق، وأنه كخالق لا يحتاج لأحد من خلقه، وتشريعه وأحكامه كاملة ولا تحتاج لإضافة أو حذف أو تعديل!،، إلاّ فيما صرّح هو جل جلاله لنا بالإجتهاد فيه، وبيّن رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم ذلك في حياته.

إذا كان هناك من يعتقد في وجود الإسلام الليبرالي، فعليه أن يقبل الإسلام اليساري والإسلام الأصولي والإسلام الإشتراكي والإسلام الكووول!ـ

ما أدين به وما أعرفه من القرآن والسنة هو "الإسلام" وفقط!ـ

الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعاش به 23 سنة، هذا هو الإسلام الذي ننادي به، وهذا هو الإسلام الدين الكامل والخاتم، الذي لم يكن ليحتاج أي إضافات أو تعديلات "بشرية" ناقصة كأصحابها،،  بعد قرون من تمام الدين!ـ


  • 1) ما الفهم الذي تروّج له الليبرالية المصرية، وما علاقتها بأحكام الشريعة؟


  • 2) إلصاق كلمة ليبرالي بالإسلام، أفهمها بفهمي المتواضع أنّه وصف يعني إحتياج الإسلام لمنهج مكمل أو محسن، فصاحب المنهج ومنزّل الشريعة والخالق الواحد لم يصف دينه إلّا بـ "الإسلام" وفقط!


  • 3) إذا كان لكل ليبرالي فهمه "الخاص" للإسلام، فهل يفترض أن يتم التحاور مع "كل" ليبرالي لمعرفة منهجه في فهم الإسلام؟

جمال البنا وطارق حجي وخالد منتصر و من رحلوا قبلهم كفرج فودة ونصر أبو زيد وغيرهم، قدّموا فهم جديد "ذاتي" لٌسلام وأحكامه ونظرة مختلفة لحجيّة القرآن،، السؤال: أين الليبرالية المصرية "الإسلامية" (مع تحفظي على هذا الوصف) من فهم هؤلاء؟؟

المشكلة أنك ستجد كل ليبرالي ""مسلم"" حالة متفردة بذاته! منهج مختلف عن الليبرالي الآخر!ـ

سمعت كثيراً أثناء محاوراتي معهم عبارات مثل :ـ

"أنا ليبرالي آه، بس ماليش دعوة بكلام طارق حجي!،ـ
مش معنى إنّي ليبرالي، إن أنا موافق على كلام نصر أبو زيد!"ـ
ـ"ماليش دعوة بغيري! حاسبني على أفكاري بس!"ـ

جميل جداً!، يبقى نسميّها ليبرالية فلان الفلاني وليبرالية علاّن العلاّني، وهكذا!ـ

أنا طبيب بشري، ولا يجوز أن أفهم الطب على مزاجي، رغم حصولي على الدكتوراة في تخصصي،، لا أستطيع أن أدعي أن من حقي وحريّتي طرح فهم جديد للطب، ودعوة الناس إليه، والتشكيك في فهم الأقدمين أو ما يعرف بعلم أصول الطب!ـ
نعم!! في أي فرع من العلوم طبي و علمي وهندسي ورياضي ، يوجد ما يسمى بكتب "الأصول
Fundamentals

ولا يجوز لأي عالم في مجاله الخروج عن هذه الأصول، مهما علا شأنه!ـ

لكي "تكسر" هذه الأصول، ينبغي أن يحدث "شبه إجماع" من كبار أهل هذا التخصص (= أهل الحل والعقد) وبعد حوارات طويلة (=شورى) في أسلوب علمي (=منهج البحث العلمي) مبني على أدلة (=أصول الفقه) حتى يصلوا لفهم جديد وطرح يحل محل الطرح الحالي..

إذا كان الأمر كذلك فيما يتعلق بحياة الفرد (أو أي تخصص علمي آخر كالهندسة أو الفيزياء)، فكيف نقبل عقلاً أن نترك أهم علم في حياة الفرد مشاعاً دون ضوابط؟؟


  • الدين هو العلم "الوحيد"" الذي يتعلق بحياة الإنسان في الدنيا والآخرة!ـ

وكما أن لكل علم ضوابطه وضعها مؤسسو هذا العلم،، فالدين أيضاً له ضوابط وأحكام وضعها الإله الواحد، ولا يستقيم عقلاً أن تقوم قلّة من البشر مهما علا شأنها في الدنيا أن تفترض تعديلاً أو فهماً جديداً لهذا المنهج "الإلهي" !؟!ـ


  • من يحق له تعديل المنهج هو واضعه! وليس من وُضع له!ـ
وإلاّ كان للمريض أن يضع منهجاً طبياً يناسبه حسب فهمه للطب!!ـ

للمريض الحق الكامل في سؤال طبيب، ومعرفة حقوقه ونوع العلاج المقدم، ولماذا لا يتم علاجه بأسلوب آخر، ومال الفرق بين هذه الأساليب!ـ
من حقه كل هذا!ـ
لكن ليس من حق المريض مناقشة الطبيب في "أصول" المهنة، وعلى أي أساس "طبي" إختار هذا النوع من العلاج.
من حق المريض أن يرفض العلاج! لكن ليس من حقه أن يتهم الطبيب بالجهل!ـ
هل يُتصور عقلاً أن يقول المريض أو مجموعة من المرضى: الطبيب الفلاني رجل ونحن رجال، له فهمه ولنا فهمنا!!! ـ

إذا أراد المريض أن يقارع الطبيب حجة بحجة، ويجعله نداً له، فيجب عليه أن يكون طبيباً هو الآخر، و "مساوٍ" له في الدرجة العلمية!ـ
وحتى يظهر إنسان مساوٍ لـ "الله" حتى يحق له نقاش وسؤال الله -سبحانه وتعالى- لماذا وضع ذلك ولماذا لم يأمر بهذا لأنه يبدو أفضل للعصر؟؟

حتى يحدث هذا، فلا أجد أي معنى للقول أن الإسلام يحتاج لليبرالية أو اليسارية أو العلمانية حتى يصبح أكثر ملائمة للعصر!!ـ
الفرق بين منهج البشر و المنهج الإلهي، كالفرق بين كل البشر والله سبحانه و تعالى!ـ


د. أحمد جلال


مقال سابق عن الليبرالية، بعنوان:

الإسلام و الليبرالية... من يحتاج إلى من؟؟؟

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

تعقيبات على تغريدات بسام البغدادي



بسم الله الرحمن الرحيم


 دار حوار بيني وبين الأستاذ بسام البغدادي، ومجموعة من الملحدين صباح يوم الثلاثاء الماضي على تويتر (23/10/2012). وقد أخذنا الحديث لعدة محاور ، سأحاول تلخيصها هنا، مع ردود سريعة على كل منها:

أولاً:
قصة الذبيح، التي تحدث عنها أستاذ./بسام بمناسبة عيد الأضحى، ويرى أن فيها وحشية، حيث قال بالنص:
"الإله الذي يطلب من أب أن يذبح إبنه بالسكين ليس بإله...بل مجنون أحمق يتلذذ برائحة الدماء ورؤية الخوف في عيون الأطفال"
الرد في نقاط سريعة:
1)    عملية الذبح لم تتم، بل كان إمتحان من الإله للأب والأم والإبن، إختبار للتسليم الكامل.
2)    هل تقول القصة أن الخوف ملأ عين الطفل؟
3)    هذه القصة متفردة في التاريخ البشري، وتكاد تكون الوحيدة التي يأمر فيها "الإله" نبيّه بذبح إبنه! لم نسمع عن قصة أخرى أمر فيها الإله نبياً آخر أو أن هذا كان طقساً دينياً يُمارس في مرحلة زمنية ما! .. النبي المُمتحَن لُقب بـ "خليل الله" ، فكان لابد من إمتحان لإثبات إستحقاقه لهذه المكانة، وأن حب الله – سبحانه وتعالى – هو وحده الذي يملأ قلب سيدنا إبراهيم، ولا يُزاحمه فيه أحد، ولا حتى إبنه الوحيد الذي جاء بعد سنوات من العقم!، ولهذا جاءت الآية القرآنية مباشرة بعدما تبين "التسليم الكامل" من الأب والإبن لهذا الإمتحان الصعب، بقوله تعالى: "قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا"...كان الابتلاء قد تم . والامتحان قد وقع . وظهرت نتائجه. وتحققت غاياته.  والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء . ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء . ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا , وقد حققوا التكليف , وقد جازوا الامتحان بنجاح .
""وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)""... سورة الصافات
4)    أحدهم قال: وماذا عن قصة موسى والعبد الصالح الذي قتل الغلام؟ لقد حدث القتل!
وللرد على هذا:
لم توضح الآيات كيفيةالقتل (قطع رقبة، إماتة دون ألم)؟؟
هذه القصة تتعلق بمعضلة الألم والشر التي يرتكز عليها الفكر الإلحادي ضمن عدة مرتكزات أخرى، وسأتحدث في مقال لاحق في سلسلة مقالاتي عن الإلحاد عن هذه المعضلة بالتفصيل، ولكن الآن نقول:-
لا يمكن الحكم على أي حدث بأنه شر محض، إلاّ إذا أدركنا كافة جوانبه.
الآيات تحدثت عن أن هذا الغلام سيكون سبباً لشقاء أبويه...
" وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا". سورة الكهف(18)، الآيات 80-81
والخشية هنا ليست على سبيل الظن، لأن العلم هنا علم إلهي محيط.

مثال من الواقع: لو رأيت أباً يتوسل لطبيب أن يُسرِعَ ببتر ساق إبنه الوحيد المصابة بغرغرينا، خوفاً أن ينتشر المرض في جسده ويموت، وأكثر من هذا أن الطبيب سيحصل على مقابل مادي لبتر ساق إبنه، مع الشكر الجزيل!!.... كيف ستُقيّم هذا المشهد إذا "جهلت" الخلفية الطبية للموضوع؟
قد يرد أحد: قطع الساق شئ، وقتل إنسان شئ آخر!

مثال آخر: هناك أمراض وراثية نادرة، نعلم كأطباء أنه حتى الآن لا شفاء منها، وأن المُصاب بها سيموت قبل سن معين، بعد أن تتدهور حالته، من هذه الأمراض ما يُعرف بـ "البَلَه المميت".. أو Tay Sachs Disease 1
الطفل الذي يولد بهذا المرض يكون طبيعياً حتى سن الـ 6 أشهر (تتعلق الأم بالطفل في هذه المرحلة)، ثم تبدأ عملية تدمير تدريجي للخلايا العصبية، حيث يعاني الطفل من نوبات صرع، عمى جزئي، عمى كلي، ضعف السمع ثم فقدان السمع، ضعف في العضلات، تخلف عقلي، وتزداد حدة الأعراض حتى تحدث الوفاة قبل سن الخامسة. وليس للمرض علاج حتى الآن!.....ما يحدث أنه إذا إكتشف الأب والأم إصابة الجنين بهذا المرض، فغالباً ما يختارون الإجهاض... أو ليس هذا قتلاً؟
قد يرد أحدهم: ولكن هذا جنين؟ .. إذاً كل ما يعنيك ألا ترى "نظرة" العذاب في الطفل، ولا يعنيك أن كأئناً بشرياً لا حول له ولا قوة، يتم إزهاق روحه بقرار من أقرب الناس له؟
السؤال الآن: أيهما أفضل؟ أن يتعلق الأب والأم بطفلهما "الطبيعي" لمدة 6 أشهر، ثم تبدأ معاناته ومعاناتهما لمدة 4-5 سنوات قادمة، في رحلة بطيئة نحو الموت،،،، أم أن يموت الطفل في سن مبكرة؟... التدخل الإلهي في أحداث كهذه لا ياتي بمذكرة تفسيرية للعبد! تماماً كما حدث في قصة غلام سورة الكهف، " فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا"...علم الله المحيط إختار الأفضل للأب والأم، ومع تسليمهما الكامل بقضاء الله، إستحقا أن يعوّضهما الله بخيرٍ من هذا الغلام.
لقد تنبه السير أنتوي فلو لمثل هذه الحجج والتي تُعرف بمعضلة الشر، فتنبه إلى خطأ موقفه بناء على هذه المعضلة لأنها تمس صفات الإله وليس وجوده من عدمه!
نعود للأمثلة الواقعية، فإذا ذهب أحدنا لزيارة مستشفى ما، ووجدها تبدو فوضوية، والمرضى يعانون من علاجات تبدو فاشلة....فهذا يعني – منطقياً – أن ثمّة أمرٌ ما في أسلوب إدارة المستشفى وممارسات الأطباء، لكن هذا لا يعني من قريب أو من بعيد أنه لا وجود لهم!


ثانياً:
تحدثت عن البرهان الرياضي بإستخفاف أذهلني من رجل يدعي أن مرجعيته علمية، وزاد إستغرابي عندما شاركك آخرون هذه النظرة للبرهان الرياضي!..
الرياضيات التي توصف بأنها "ملكة العلوم" ، وإعتبرها البعض نوعاً مستقلاً بذاته عن باقي العلوم، حيث أنها لا تقبل الصحة والخطأ، ولا يمكن برهنة خطأ أي مبرهنة رياضية، بعكس أنواع العلوم التجريبية التي تقوم على البراهين الحسية. 2
إنّ أي باحث أو قارئ في مجال العلوم يعرف حجية البرهان الرياضي، وإختلافها عن باقي أنواع البراهين. فالعلوم الهندسية تعتبر أقوى العلوم برهاناً، كما أن البرهان الرياضي هو أكمل أشكال البرهان، وأقصى طموح أي عالم هو الوصول بنظرية ما، إلى معادلة رياضية 3.. وإلاّ فلماذا يحاول العلماء الوصول إلى النظرية الموحدة التي تجمع القوى الكونية الأربع؟ ... تخيل لو أن أحد علماء البيولوجيا نجح في الوصول لمعادلة رياضية لنظرية التطور؟، عندها ستتحول من نظرية إلى حقيقة علمية، كحقيقة أن طاقة المادة تساوي حاصل ضرب كتلتها في مربع سرعة الضوء.
أعلم أن هناك من يقول أن المتدينين لا يفهمون معنى كلمة "نظرية"! ، أعرف الفرق (العلمي) بين النظرية والفرضية، ولكن لا أعرف إن  كان أحدٌ ممن تصدى للكلام عن البرهان الرياضي عنده أدنى فكرة عن الفرق بين مناهج "الإستنتاج" 4 و "الإستقراء" 5؟ .. العلوم الرياضية والهندسية علوم إستنتاجية، تبدأ من بديهيات وتصل إلى قوانين، لا مجال للملاحظة فيها، وإذا كانت البدايات صحيحة (= البديهيات) ، فحتماً ستكون النهايات صحيحة (= القوانين). 6
بعكس باقي أنواع العلوم، فهي تقوم على أسلوب الإستقراء، وهو ملاحظة ظواهر أو شواهد، ثم بناء فرضية تفسرها، ومع تضافر الأدلة تتحول الفرضية إلى نظرية، ولكنها لا ترقى إلى مستوى الحقيقة العلمية! فمن أهم سمات الفرضية أوالنظرية وفق المنهج العلمي "القابلية للخطأ" 7 أو قابلية الدحض والتفنيد، وهو مبدأ في فلسفة العلوم يقول بأن أي نظرية أو فرضية لا يمكن لها أن تكون علمية مالم تكن تقبل إمكانية أن تكون خاطئة!
وعليه، فالبرهان الرياضي لا يحتمل أن يكون قابلاً للخطأ، فبمجرد أن تكون البدايات صحيحة، فلا مجال إلاّ أن تكون النهايات صحيحة، فسواءٌ هنا أو في كوكبٍ آخر أو في قلب الشمس أو في كون آخر وبعد آخر أو حتى داخل الثقب الأسود، ستظل 2+3=5  و 2*3 = 6 ومجموع زوايا المثلث 180 درجة، لأنها لا تتعلق بمشاهدات أو ملاحظات حياتية، بل ببديهيات عقلية.
فالبرهان الإستنتاجي هو أقوى الأدلة العلمية والمنطقية لإثبات شئ ما. 8


ثالثاً:
ما الذي وصل إليه "روجر بنروز"؟

إدعى أحد من حاورتهم أنه لم يجد أي ذكر للرقم الذي وصل إليه العالم الإنجليزي "بنروز" حول إمكانية أن ينشأ الكون بأشكال الحياة التي فيه دون تدخل خارجي عاقل، وكان الرقم 1 على 10 مرفوع للقوة 10 مرفوعة بدورها للعدد 123
المعادلة موجودة في الفصل السابع من كتاب "بنروز" المعنون بـ "عقل الإمبراطور الجديد" 9، الصادر عام 1989 م من دار النشر "بينجوين"، وقد حصل الكاتب على جائزة الكتاب العلمي على هذا الكتاب في عام 1990. 10
هناك نسخة على الإنترنت ، ولكن دون صور أو حتى معادلات! 11
لكن إذا حصلت على النسخة الأصلية من الكتاب فستجد في الفصل السابع: علم الكونيات وسهم الزمن، في آخر هذا الفصل هناك مبحث بعنوان "خصوصية الإنفجار الأعظم" الصفحات من 440-449، عند الصفحة 445 يذكر "بنروز" المعادلة، وما قبلها من صفحات يذكر كيف توصل إليها رياضياً، لمن أراد أن يراجع معادلات "بنروز".
من هو "روجر بنروز" ؟  12
الكتاب موجود على أمازون 13، وهناك نسخة على موقع كتب جوجل (ولكنها ليست كاملة). 14
كما يمكن الإطلاع على المبحث الخاص بهذه المعادلة وكيف توصل بنروز لحساب إحتمال نشأة الكون بالعشوائية ،على الإنترنت الموقع التالي 15 (يُفترض أن تكون مُلماً بأساسيات الفيزياء والرياضيات حتى تفهم المعادلات)!


رابعاً:
حجة التوسل بالمجهول!

إدعى أستاذ./ بسام ، كما يدعي معظم الملاحدة أن المتدينين يلجأون لمغالطة منطقية شهيرة تعرف بإسم "التوسل بالمجهول" 17 لإثبات أن الخالق هو الله، بما أن العلم والبرهان الرياضي يُثبت إستحالة خلق الكون بالصدفة.
يحاول الملحدون الخلط بين هذه المغالطة المنطقية مع برهان منطقي يُسمى "البرهان بالترك" أو "البرهان بالنقض أو السلب" 18، وهو برهان (وليس دليل لمن يعرف الفرق) برهان منطقي يقوم على إثبات صحة فرضية إذا أُثبت خطأ نقيضها.
الفرق بينها وبين حجة التوسل بالمجهول هو وجود "النقيض"، يعني أن يكون للفرضية إحتمالان فقط، وأن يكون أحدهما نقيضاً للآخر،، فيما سوى ذلك، لا يكون برهاناً منطقياً ويمكن أن يعتبر توسلاً بالمجهول!
نحن كمتدينون نُصرّ على السؤال الآتي: إذا كان الكون موجود والحياة كائنة أمامنا فما هي إحتمالات خلق الكون والحياة من حيث السببية؟ بمعنى أن تكون الحياة والكون نشأا بُمسبب أو دون مسبب؟
المنطق يقول أن هناك إحتملان لا ثالث لهما! ؛ إما أن يكون هناك سبب أو لا..
بصرف النظر عن صفة وشكل وإسم ونوع هذا المُسبب!
الملحد يحاول أن يقفز إلى مرحلة لاحقة وهي تنوع "الأسباب" ليدعي أن عدد الإحتمالات كبير!
نحن لا نتحدث عن تنوع الأسباب وإحتمالات سبب دون آخر، بل بوضوح شديد، إحتمالات أن تنشأ الحياة بمُسبب أو مُنظم مقابل أن تنشأ دون مسبب (بشكل عشوائي)،، هل هناك إحتمال "منطقي" آخر؟ حتى لو إحتمال تخيلي؟ أي إحتمال يكون مغايراً لوجود المسبب وعدم وجوده؟؟
لا يوجد!...أتحدى أن يأتي أحد بإحتمال ثالث!
قد يقول أحد السفسطائيين أن ما أدراك أن الكون موجود وكائن أساساً؟ ربما هي توهمات وصور عقلية؟!
جميل جداً، هذا ليس إحتمالاً ثالثاً، بل إنكار للسؤال من الأساس!!
السؤال مرة أخرى: إذا كان الكون موجود والحياة كائنة أمامنا فما هي إحتمالات خلق الكون والحياة من حيث السببية؟ بمعنى أن تكون الحياة والكون نشأ بمسبب أو دون مسبب؟
إن البرهان بالسلب قائم على قانون أو مبدأ ثنائية التكافؤ 19. وهو يختلف قليلاً عن قانون أرسطو الثاني في الفكر.
برجاء مراجعة أول درس في علم المنطق في المرحلة الثانوية، وهو قوانين الفكر الأرسطي الثلاثة.
قانون الهوية (=الذاتية) ،  و قانون عدم التناقض ، و قانون الوسط المرفوع. 20
سؤال آخر للملاحدة: ألا يُعتبر الإدعاء بأن العلم سيكتشف في المستقبل جواباً لهذا السؤال، "توسلاً بالمجهول" ؟؟ مجهول زمني مستقبلي غير حادث الآن! كما أن هذا الإدعاء يمكن أن يأتي بكلا الإحتمالين، إما إثبات وجود الإله أو نفيه، فمن أين التأكد بأنه سيجيب بالنفي؟؟
ملاحظة أخيرة: لم يحدث ولن يحدث أن تأتي نظرية تبرهن على خطأ "نظرية أو مبرهنة فيثاغورث" 21 في الرياضيات، ولكن في المقابل فإن "نظرية التطور" لدارون، تعتبر من الناحية العلمية أفضل تفسير علمي مقدم حتى الآن!، كما أن هناك عدة أطروحات علمية تطعن في صحة بعض جوانب النظرية 22،23،24، وهذا مقبول علمياً حيث أنها قائمة على الإستدلال بالملاحظة، وهو ما يستلزم قابليتها للدحض والتفنيد. حيث أن مبرهنة رياضية كفيثاغورث تعتند على براهين، بينما تعتمد نظرية علمية كالتطور على أدلة!.. أما إذا كنت لا تعرف الفرق ين البرهان والدليل في المنهج العلمي، وهل هناك "برهان" علمي على أي شئ؟ أم أن العلوم تقوم على الأدلة، بينما تقوم الرياضيات على البراهين؟؟؟ 25  

السؤال الأخير:
هل العشوائية قادرة على عملية الخلق أم أن هذه العملية تحتاج  لموجد ذكي؟ أياً كان إسمه أو صفته أو عدده!
الإجابة بالأكوان المتوازية أو الأكوان المتعددة، ليست إجابة ! ، فعلمياً الكون متغير، وله بداية....السؤال: إذا عدنا لنقطة الصفر.. بداية البدايات... كيف تحول اللاشئ والعدم إلى ما نراه؟

There is no proof in science, but there are mountains of evidence!
Proofs exist only in mathematics and logic, not in science!
قليل من البحث في جوجل أو المكتبة العامة لن يضر!


لقد كتبت مقالتان عن الإلحاد، كبداية لسلسلة مقالات عن الإلحاد، وتأخرت في كتابة الحلقة الثالثة، لإرتباطات في العمل.
سأتطرق – بإذن الله – في الحلقة الثالثة لمعضلة الشر والألم بالتفصيل، كما سأذكرعدة معضلات فلسفية في بناء الفكر الإلحادي، ثم أتحدث عن خلق الكون، ثم خلق الحياة، و خلق الإنسان، وأخيراً خلق العقل (وليس المخ).
عندما كتبت أول حلقة وكانت عبارة عن تعريفات في الأديان والمنطق والفلسفة والمنهج العلمي ، لم أكن أتخيل أن نعود بالزمن لمستوى المرحلة الثانوية للحديث عن قوة البرهان الرياضي وأساسيات علم المنطق، والمنهج العلمي!
د. أحمد جلال
المراجع:
10)                       http://royalsociety.org/awards/science-books/all-shortlisted
12)                       http://en.wikipedia.org/wiki/Roger_Penrose
15)                       http://www.ws5.com/Penrose
16)                       https://www.youtube.com/watch?v=WhGdVMBk6Zo
17)                       http://philosophy.lander.edu/logic/ignorance.html
18)                       http://en.wikipedia.org/wiki/Proof_by_contradiction
19)                       http://plato.stanford.edu/entries/truth-values
21)                       http://www.cut-the-knot.org/pythagoras/index.shtml
22)                       http://en.wikipedia.org/wiki/Objections_to_evolution
23)                       http://www.conservapedia.com/Falsifiability_of_evolution
24)                       http://www.parentcompany.com/science_kit/sk3b.htm